الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.عصيان صاحب شهرزور على سيف الدين صاحب الموصل ورجوعه. كان مجاهد الدين قايماز متولى مدينة اربل وكان بينه وبين شهاب الدين محمد بن بدران صاحب شهرزور عداوة فلما ولى سيف الدين مجاهد الدين قايماز نيابة الموصل خاف شهاب الدين غائلته عن تعاهد الخدمة بالموصل وأظهر الامتناع وذلك سنة اثنتين وسبعين فخاطبه جلال الدين الوزير في ذلك مخاطبة بليغة وحذره ورغبه فعاود الطاعة وبادر إلى الحضور بالموصل والله تعالى ينصر من يشاء من عباده..نكبة كمستكين الخادم ومقتله. كان سعد الدين كمستكين الخادم قائما بدولة الملك الصالح في حلب وكان يناهضه فيها أبو صالح العجمي فقدم عند نور الدين وعند ابن الملك الصالح وتجاوز مراتب الوزير فعدا عليه بعض الباطنية فقتله وخلا الجو لكمستكين وانفرد بالاستبداد على الصالح وكثرت السعاية فيه بحجر السلطان والاستبداد عليه وأنه قتل وزيره فقبض عليه وامتحنه وكان قد أقطعه قلعة حارم فامتنع بها أصحابه وأرادهم الصالح على تسليمها فامتنعوا وهلك كمستكين في المحنة وطمع فيها وساروا إليها وحاصروها وصانعهم الصالح بالمال فرجعوا عنها وبعث هو عساكره إليها وقد جهدهم الحصار فسلموها له وولى عليها والله تعالى أعلم..وفاة الصالح إسماعيل واستيلاء ابن عمه عز الدين مسعود على حلب. ثم توفي الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود صاحب حلب في منتصف سنة سبع وسبعين لثمان سنين من ولايته وعهد بملكه لابن عمه عز الدين صاحب الموصل واستخلف أهل دولته على ذلك بعضهم بعماد الدين صاحب سنجار أخي عز الدين الأكبر لمكان صهره على أخت الصالح وأن أباه نور الدين كان يميل إليه فأبى وقال عز الدين أنا أقدر على مدافعة صلاح الدين عن حلب فلما قضى نحبه أرسل الأمراء بحلب إلى عز الدين مسعود يستدعونه هو ومجاهد الدين قايماز إلى الفرات ولقي هنالك أمراء حلب وجاؤا معه فدخلها آخر شعبان من السنة وصلاح الدين يومئذ بمصر بعيدا عنهم وتقي الدين عمر ابن أخيه في منبج فلما أحسن بهم فارقها إلى حماة وثار به أهل حماة ونادوا بشعار عز الدين وأشار أهل حلب عليه بقصد دمشق وبلاد الشام وأطمعوه فيها فأبى من أجل العهد الذي بينه وبين صلاح الدين ثم أقام بحلب شهورا وسار عنها إلى الرقة والله تعالى أعلم..استيلاء عماد الدين على حلب ونزوله عن سنجار لأخيه عز الدين. ولما انتهى عز الدين إلى الرقة منقلبا من حلب وافقه هنالك رسل أخيه عماد الدين صاحب سنجار يطلب منه أن يملكه مدينة سنجار وينزل هو له عن حلب فلم يجبه إلى ذلك فبعث عماد الدين إليه بأنه يسلم سنجار إلى صلاح الدين فحمل الأمراء حينئذ على معارضته على سنجار وتحمسهم له ولم يكن لعز الدين مخالفا لتمكنه في الدولة وكثرة بلاده وعساكره فأخذ سنجار من أخيه عماد الدين وأعطاه حلب وسار إليها عماد الدين وملكها وسهل أمره على صلاح الدين بعد أن كان متخوفا من عز الدين على دمشق والله سبحانه وتعالى أعلم..مسير صلاح الدين إلى بلاد الجزيرة وحصاره الموصل واستيلاؤه على كثير من بلادها ثم على سنجار. كان عز الدين صاحب الموصل قد أقطع مظفر الدين كوكبري بن زين الدين كجك مدينة حران وقلعتها ولما سار صلاح الدين لحصار البيرة جنح إليه مظفر الدين ووعده النصر واستحثه للقدوم على الجزيرة فسار إلى الفرات موريا بقصد وعبر إليه مظفر الدين فلقيه وجاء معه إلى البيرة وهي قلعة منيعة على الفرات من عدوة الجزيرة وكان صاحبها من بني ارتق أهل ماردين قد أطاع صلاح الدين فعبر من جسرها وعز الدين صاحب الموصل يومئذ قد سار ومعه مجاهد الدين إلى نصيبين لمدافعة صلاح الدين عن حلب فلما بلغهما عبوره الفرات عادا إلى الموصل وبعثا حامية إلى الرها وكاتب صلاح الدين ملوك النواحي بالنجدة والوعد على ذلك وكان تقدم العهد بينه وبين نور الدين محمد بن قرا ارسلان صاحب كيفا على أن صلاح الدين يفتح آمد ويسلمها إليه فلما كاتبهم الآن كان صاحب كيفا أول مجيب وسار صلاح الدين إلى الرها فحاصرها في جمادي سنة ثمان وسبعين وبها يومئذ فخر الدين مسعود الزعفراني فلما اشتد به الحصار استأمن إلى صلاح الدين وحاصر معه القلعة حتى سلمها نائبها على مال أخذه وأقطعها صلاح الدين مظفر الدين كوكبري صاحب حران وسار عنها إلى الرقة وبها نائبها قطب الدين نيال بن حسان المنجي فاجفل عنها إلى الموصل وملكها صلاح الدين وسار إلى الخابور وهو قرقيسيا وماكسين وعرمان فاستولى على جميعها وسار إلى نصيبين فملكها لوقتها وحاصر القلعة أياما وملكها وأقطعها أبا الهيجاء السمين من أكبر أمرائه وسار عنها وملكها ومعه صاحب كيفا وجاءه الخبر بأن الافرنج أغاروا على أعمال دمشق ووصلوا داريا فلم يحفل بخبرهم واستمر على شأنه وأغراه مظفر الدين كوكبري وناصر الدين محمد بن شيركوه بالموصل ورجحا قصدها على سنجار وجزيرة ابن عمر كما أشار عليهما فسار صلاح الدين وصاحبها عز الدين ونائبه مجاهد الدين وقد جمعوا العساكر وأفاضوا العطاء وشحنوا البلاد التي بأيديهم كالجزيرة وسنجار والموصل واربل وسار صلاح الدين حتى قاربها وسار هو ومظفر الدين وابن شيركوه في أعيان دولته إلى السور فرآه مخايل الامتناع وقال لمظفر الدين ولناصر الدين ابن عمه قد أغر رتماني ثم صبح البلد وناشبه وركب أصحابه في المقاعد للقتال ونصب منجنيقا فلم يغن ونصب إليه من البلد تسعة ثم خرج إليه جماعة من البلد وأخذوه وكانوا يخرجون ليلا من البلد بالمشاعل يوهمون الحركة فخشي صلاح الدين من البيات وتأخر عن القصد وكان صدر الدين شيخ الشيوخ قد وصل من قبل الخليفة الناصر مع بشير الخادم من خواصه في الصلح بين الفريقين على اعادة صلاح الدين بلاد الجزيرة فأجاب على اعادة الآخرين حلب فامتنعوا ثم رجع عن شرط حلب إلى ترك مظاهرة صاحبها فاعتذروا عن ذلك ووصلت رسل صاحب أذربيجان قرا ارسلان وأرسل صاحب خلاط شاهرين فلم ينتظم بينهما أمر ورحل صلاح الدين عن الموصل إلى سنجار فحاصرها وبها أمير أميران وأخوه عز الدين صاحب الموصل في عسكر ولقيه شرف الدين وجاءها المدد من الموصل فخال بينهم وبينها وداخله بعض أمراء الأكراد من الدوادية من داخلها فكبسها صلاح الدين من ناحيته واستأ من شرف الدين لوقته فأمنه صرح الدين ولحق بالموصل وملك صلاح الدين سنجار وصارت سياجا على جميع ما ملكه بالجزيرة وولى عليها سعد الدين بن معين الدين أنز الذي كان متغلبا بدمشق على آخر طغركين وعاد فمر بنصيبين وشكا إليه أهلها من أبي الهيجاء السمين فعزله وسار إلى حران بلد مظفر الدين كوكبري فوصلها في القلعة من سنة سبع وثمانين فأراح بها وأذن لعساكره في الانطلاق وكان عز الدين قد بعث إلى شاهرين صاحب خلاط يستنجده وأرسل شاهرين إلى صلاح الدين بالشفاعة في ذلك رسلا عديدة آخرهم مولاه سكرجاه وهو على سنجار فلم يشفعه أخاه من ذلك وفارقه مغاضبا وسار شاهرين إلى قطب الدين صاحب ماردين وهو ابن أخته وابن حال عز الدين وصهره على بنته فاستنجده وسار معه وجاءهم عز الدين من الموصل في عساكره واعتزموا على قصد صلاح الدين وبلغه الخبر وهو مريح بحران فبعث عن تقي الدين ابن أخيه صاحب حمص وحماة وارتحل للقائهم ونزل رأس عين فخاموا عن لقائه ولحق كل ببلده وسار صلاح الدين إلى ماردين فأقام عليها أياما ورجع والله تعالى أعلم.
|